فصل: مطلب في خزي اليهود ورفع عيسى عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيه تقريع للفرقة الساكتة، لأن سكوتهم قد يعد رضى وإقرارا في بعض الأحوال.
لهذا روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» وجاء في حديث آخر: «ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من لا ينكر عليهم إلا عمّهم اللّه بعذابه».
ثم قال تعالى على لسان الناهين: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 164} اللّه فيما فعلوا فيرجعوا إليه خوفا من عقابه وينتفعوا بموعظتنا، وإنا طمعا بارتداعهم وتوبتهم نصحناهم قياما بالواجب المترتب علينا، قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا} هؤلاء المخالفون {ما ذُكِّرُوا بِهِ} من قبل الناهين ولم يقبلوا موعظتهم {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} لأنهم قاموا بما هو مترتب عليهم ولم يسكنوا ليؤاخذوا بسكوتهم الذي يعد رضى منهم {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ} عظيم محزن مخز {بِما كانُوا يَفْسُقُونَ 165} يخرجون عن طاعتنا والفرق بين يفسقون ويظلمون أن الظالمين من وصفوا بالظلم والفاسقين من خرجوا عن الطاعة، وإنما عد تركهم نسيانا لإهمالهم الأخذ بنصح جماعتهم وتشبيه التارك بالنّاسي استعارة، والجامع بينهما عدم المبالاة في كل، ويجوز أن يكون مجازا مرسلا لعلاقته السببية، ولم يحمل على ظاهره لأن النسيان في شريعتنا لا يؤاخذ عليه، والترك عن عمد يترتب عليه العقاب.
روى ابن ماجه عن البيهقي عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أما في شريعة موسى عليه السلام فالنسيان مؤاخذ عليه، وكذلك الخطأ، كما مرّ في تفسير الآية 157، وقوله صلّى اللّه عليه وسلم رفع، يدل على عدم العذاب في شريعتنا على الثلاثة الواردة في الحديث والعقاب على من قبلنا عليها وإلا لم يقل رفع، تأمل، وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: يقول الله: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} فلا أدري ما فعل اللّه بالفرقة الثالثة الساكتة وجعل يبكي، فقال عكرمة جعلني اللّه فداك ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما عليه الفرقة المقترفة وقالوا للفرقة الناهية لم تعظون إلخ الآية، إنه وإن لم يقل أنجيتهم فلم يقل أهلكتهم، فأعجبه قولي وأمر لي ببردين وكسانيهما، وقال نجت الساكتة يؤيده قول يمان بن رباب نجت الطائفتان وهو قول الحسن أي الآمرة والساكتة، أما ما قاله ابن زيد وروي عن أبي عبد اللّه: نجت الناهية فقط فمستبعد هذا على شريعتنا، أما على شريعة موسى فلا وعلى كل فاللّه تعالى أكبر وأكرم قال تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا} أبوا الرجوع {عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ} تكبرا وأنفة {قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ 166} أذلاء صاغرين منسوخين فكانوا كذلك.

.مطلب في خزي اليهود ورفع عيسى عليه السلام:

قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أعلم وفيه معنى التوعد والتهديد لافترانه بالقسم الدالّ عليه وجود لامه في قوله: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} أي اليهود، لأنهم بدلوا وغيروا أحكام التوراة وأجروا أحكام ما بقي منها على الضعيف دون القوي، وحرّفوا كثيرا منها، وكذلك فعل النصارى في الإنجيل لما رأوا أن حضرة الرسول يخبر عما فيهما، وكانوا قبلا يحورون ما يتعلق بالأحكام فقط، فلما ظهر الرسول صاروا يرفعون منها ما يتعلق بأوصافه صلّى اللّه عليه وسلم قصد نهي اتباعهم له والإيمان به، مع أن الواجب عليهم إبقاؤها والإيمان بما جاء فيها مصدقا للقرآن أخزاهم اللّه، ولهذا أقسم اللّه جل شأنه على الجزم بأنه ليرسلنّ عليهم {إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ} يكلفهم على الدوام {سُوءَ الْعَذابِ} أقساه وأشده مما لا رحمة فيه {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ} إذا شاء عقاب أمثال هؤلاء في الدنيا فضلا عن عذاب الآخرة {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ 167} لمن آمن ورجع عن كفره ودخل بالإسلام فلم يعاقبه ولم يسأله عما فعل لعظيم مغفرته وكبر عفوه، لأن الإسلام يجبّ ما قبله.
ومن جملة إذلال اليهود وإصغارهم أنهم صاروا يؤدون الجزية إلى المجوس لما سلّط اللّه عليهم بختنصر وسنجاريب وملوك الروم، فساموهم وأهانوهم، ولم يزالوا كذلك محتقرين إلى زمن محمد صلّى اللّه عليه وسلم، فقبل من أسلم منهم ومن لم يسلم قبل منه الجزية فأدوها له صاغرين، وهي ملازمة لهم إلى يوم القيامة إن شاء اللّه، ولولا أن اللّه تعالى منعه من قتالهم لدمرهم ولم يبق منهم أحدا، ولكن للّه حكم لا تعيها عقولنا وهم في زماننا محقّرون أيضا مهانون يعطون أضعاف الجزية التي كانوا يؤدونها للمسلمين إلى الانكليز والأمريكان الذين لا يقيمون لهم وزنا كالإسلام الذين ساووهم في كافة الحقوق اتباعا لقوله صلّى اللّه عليه وسلم لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهم أخزاهم اللّه أعداء الداء للإسلام، لا يذكرون معروفهم ولا يعترفون بإحسانهم، وإن العز الذي يتوقعونه في فلسطين بواسطة المذكورين في هذا الزمن الذي نحن فيه ويتطاولون إليه سيكون إن شاء اللّه الذل والصغار لهم فيه، لأنه إنما يكون- لا كونه اللّه لهم- تحت رقابة الأمريكيين وهو الاستعمار بعينه، راجع الآية 7 من سورة الإسراء الآتية، فنسأل اللّه أن يجمع كلمة الإسلام ويهلك الصهيونيين، وإن من بقي مشردا منهم بآخر الزمن يتبعون الدّجال ويدعون إلهيته، فيزدادون كفرا على كفرهم، لأنهم يزعمونه المسيح الذي أخبر به موسى عليه السلام وأوجب عليهم اتباعه، ولم يعلموا بل يعلمون ويجحدون أن المسيح عيسى بن مريم الذي كذبوه وناوءوه عتوا وعنادا وحبا ببقاء الرئاسة لهم وقصدوا قتله قاتلهم اللّه، فأنجاه منهم ربه وحفظه من أن تنال قدسيته أيديهم القذرة، فألقى شبهه على المنافق يهوذا الأسخريوطي الذي دلهم عليه لقاء دراهم معدودة، مثل قيمة يوسف عليه السلام التي ابتاعه فيها اخوته قبل تشرّفهم بالنبوة، راجع تفسير الآية 9 من سورة يوسف في ج 2، إذ ما من نبي إلا وله منافق، يدلك على هذا قوله تعالى في الآية 31 من سورة الفرقان الآتية فقد جعل اللّه لموسى السّامري، ولمحمد عبد اللّه بن أبي بن سلول، وهذا لعيسى عليهم السلام، فقتل هذا الخبيث جزاء وفاقا وصلب وبصق عليه وسخر به، إذ يقولون له أنت المعلم لما ذا لا تخلص نفسك وكنت جئت بخلاص العالم ولم يقبلوا منه ما اعتذر به بأنه ليس المعلم أي عيسى إذ كانوا يسمونه معلما أنا الذي دللتكم عليه، فيزيدونه لكما ولطما وصفعا وبصاقا، ويقولون له الآن تنكر نفسك وكنت تدعي النبوة وخراب الهيكل إلى غير ذلك، كما سيأتي توضيحه في الآية 158 من سورة النساء في ج 3 وذلك أن اللّه تعالى الكامل إذا جعل شيئا جعله كاملا فلما ألقى شبهه على يهوذا صار كأنّه هو عيسى نفسه، ولذلك فإن أمه والنساء معها لم ينكرن أنه هو حقيقة، لذلك صرن يبكين عليه وحزنّ لأجله، إذ لا يستطيع أحد أن يقول ليس هو بعيسى، هذا وإن اللّه تعالى سيهلك الدجال مسيح اليهود وأتباعه على يد مسيح المسلمين الذي سمي مسيحا لأنه يمسح بيده المريض والأعمى والأكمه والأبرص فيبرأ بإذن اللّه تعالى حالا، بخلاف مسيح اليهود الذي هو الدجال، فإنه إنما سمي مسيحا لأنه ممسوح العين اليمنى أعور أشقر، فأين هذا من ذاك، وإن اللّه تعالى لابد وأن يسلط على يهود زماننا من يهلكهم ويزيد في ذلهم وصغارهم، وسنورد الأحاديث الصحيحة الدالة على نزول عيسى وقتله الدجال واقامة القسط في الأرض بين الناس في الآية 61 من سورة الزخرف في ج 2 إن شاء اللّه تعالى القائل {وَقَطَّعْناهُمْ} أي اليهود قطعهم اللّه وأخزاهم {فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} فرقا وطوائف مشتتين محقرين فلا تجد أرضا خالية منهم أخلاهم اللّه منها ولا بلدا إلا وفيها منهم غير حماة، ولذا قيل حماها اللّه من كل ظالم أي كل يهودي لأنه لا يكون إلا ظالما، وهذا حتى تستقيم القاعدة ما من عموم إلا وخصص ولا يعلم السبب في حماية حماة من اليهود إلا أهل حمص الذين قلدوهم بذلك، لأن كلا من أهالي هاتين البلدتين يعرف خبايا الآخر على الحقيقة وزيادة وهذه نكتة أتينا بها هنا قال تعالى: {مِنْهُمُ} اليهود الأولون على زمن موسى فمن بعده حتى زمن محمد صلّى اللّه عليه وسلم {الصَّالِحُونَ} الذين ثبتوا على دينهم فلم يغيروا ولم يبدلوا حتى ماتوا عليه قبل بعثة عيسى عليه السلام، والذين أدركوا عيسى وآمنوا به وبقوا على إيمانهم حتى بعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلم وماتوا على ذلك، والذين أدركوا محمدا وآمنوا به وماتوا على إيمانهم فهم صالحون من أهل الجنة، لأن اللّه تعالى لا يظلم حق أحد والقرآن كلام اللّه لم يغمط حق أحد أيضا ولا يغفل ذكره كيف وهو القائل في كتابه {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} الآية 38 من سورة الأنعام في ج 2 {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ} فسقة ومخطئون، لأنهم خالفوا بعض الأوامر وامتثلوا بعضها وماتوا قبل بعثة عيسى ومحمد- عليهما السلام- على الصورة المذكورة أعلاه، ومنهم كفرة وهم الذين غيروا وبدلوا وحرفوا وكفروا بعيسى ومحمد وكتابهما، وهؤلاء لم يشر إليهم القرآن هنا اكتفاء بما ذكر قبلا وبما سيذكر بعد، ودائما هم متفرقون إلى ثلاث فرق منذ التحاقهم بموسى إلى اليوم فرّقهم اللّه وشتت كلمتهم، قال تعالى: {وَبَلَوْناهُمْ} امتحناهم واختبرناهم {بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ} لأن النعمة إذا شكرت ترغب بالطاعة فتدعوا إلى الإيمان والشدة يخاف عاقبتها فتدعو إلى الإيمان أيضا، أي إنا بلوناهم بكلا الأمرين {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 168} عن غيهم فلم ينجع بهم {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} الخلف القسري الذي يجيء بعد قرن كان قبله، أي حدث من بعدهم حدث سوء تبدل عما كان عليه، وهو بسكون اللام وإذا فتحت قيل خلف خير خلف صدق أما ما جاء في قول زهير:
لنا القوم الأولى إليك وخلفنا ** لأولنا في طاعة اللّه تابع

وما جاء في قول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

فاسكان اللام بالأول وهو في معرض المدح وفتحها في الثاني وهو في معرض الذم فلضرورة الشعر.
وقال البصريون يجوز تحريك اللام وسكونها في الرديء وفي الجيد التحريك فقط، وهؤلاء هم الفرقة الثالثة الكافرة المشار إليها في الآية 165 المارة لأنها لم تذكر فيها، قال تعالى في ذمّهم إنهم {وَرِثُوا الْكِتابَ} التوراة بانتقالها لهم من آبائهم فلم يعملوا بها وصاروا {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا} الشيء {الْأَدْنى} من حطام الدنيا الذميمة كالرشوة القبيحة، وقد تنزه القرآن عن التصريح بها لخساستها ودناءة آخذيها، راجع الآية 128 من البقرة في ج 3 كي يبدلوا أحكام التوراة التي آلت إليهم بطريق الإرث ويحرفونها ويغيرون ما فيها لقاء عرض تافه حقير، والعرض بفتح الراء يطلق على جميع متاع الدنيا، فيقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر، وأما بسكونه فكل ما يطلق عليه لفظ مال غير النقدي {وَيَقُولُونَ} مع عملهم هذا {سَيُغْفَرُ لَنا} ما نفعله، يتمنون ويطمعون بالمغفرة أماني باطلة {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} أيضا حلالا كان أو حراما، مصرين على عملهم غير تائبين منه، أي ان الذين كانوا من هذه الفرقة يعيبون المرتشين المحرفين المغيرين المبدلين، إذا جاءهم عرض مثل عرض سلفهم لا يمتنعون عن أخذه أيضا، فوبخهم اللّه تعالى بقوله: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} في العهد والصدق في المواثيق التي أخذها اللّه عليهم في التوراة {وَدَرَسُوا} والحال أنهم قد قرأوا {ما فِيهِ} من تلك العهود والمواثيق {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ} واطلعوا في التوراة أيضا على ما أعده اللّه لأهل طاعته من الثواب، ولأهل معصيته من العقاب المرتب على الامتثال والانقياد، والتغيير والتبديل والتحريف فيها، وعرفوا أن العمل الصالح لتلك الدار {خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} العمل السيء هناك في تلك الدار الآخرة {أَفَلا تَعْقِلُونَ 169} أن ما فيها من الخير خير وأبقى مما يأخذونه في الدنيا من الرشوة.
أخرج الترمذي عن شداد بن أوس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «الكيس من دان نفسه –حاسبها- وعمل لما بعد الموت-قبل أن يحاسب عليها- والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأماني».
والشاهد فيه أن اليهود يعضون اللّه ويطلبون مغفرته، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ} ويعتصمون به ويعملون بما فيه {وَأَقامُوا الصَّلاةَ} المفروضة عليهم لأن هذه من الآيات المدنيات كما ذكرنا، وخص الصلاة بالذكر مع أنها داخلة بالتمسك تنبيها على عظم شأنها لأنها من أعظم العبادات بعد الإيمان باللّه ورسوله {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ 170} أنفسهم الثابتين على صلاحهم، نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن سلام وأصحابه الذين أسلموا في المدينة من يهودها، فطوبى لهم ولمن يثبت على الإسلام ويموت عليه، ثم ندّد في بني إسرائيل السابق ذكرهم بمناسبة ذكر الصالحين منهم فقال: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} الطور أو جبلا غيره، وهذه الجملة عطف على جملة وإذ قيل لهم المارة في الآية 161 المكية وكلمة نتقنا لم تكرر في القرآن وسيأتي في الآيتين 63، 93 من سورة البقرة في ج 3 ما يتعلق بهذا، أي رفعناه وصيرناه {فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} خيمة كبيرة أو سحابة غيم عظيمة، أي اذكر يا محمد لقومك ويهود زمانك حين خلعنا الجبل من أصله من الأرض، ورفعناه فوقهم إلى جهة السماء، وجعلناه كالسقف على المعاندين من أسلافهم الموجودين عندك الآن.
وكل ما يقي من الشمس يسمى ظلة حتى الشمسية المتعارفة لأنها تقي من وهج الشمس والمطر، ولذلك تسمى ظلة ومظلة {وَظَنُّوا} تيقنوا وجزموا {أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ} لا محالة إن لم يمتثلوا ما أمروا به وقلنا لهم {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} بجد وعزم وحزم أي تقبلوا أحكامه جبرا عنكم {وَاذْكُرُوا ما فِيهِ} كله لا تنسوه واعملوا به فإن عدم العمل به يؤدي إلى النسيان، والنسيان يؤدي إلى الهلاك، وإذا أردتم النجاة داوموا على ذكره {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 171} وقوع الجبل عليكم وسبب ذلك أنهم أبو قبول أحكام التوراة لمشقّتها فلما رأوا الجبل ساقطا عليهم لا محالة سجد كل منهم على خدّه وحاجبه الأيسرين وجعل ينظر إلى الجبل بعينه اليمنى خوفا من سقوطه عليه إلى أن زيح عنهم، ولذلك إذا اقتضى أن يسجدوا للّه شكرا أو لصلاة اعتادوها سجدوا كذلك على تلك الصفة.
انتهت الآيات المدنيات.